قبل 70سنة٬ في 20 غشت 1940قامت المخابرات الروسية ال جي بي يو بأمر من ستالين باغتيال القائد الثوري العظيم ليون تروتسكي بمنزله في ضاحية من ضواحي العاصمة المكسيكية
اليوم٬ و بعد مرور 70 سنة على رحيل هذا المنظر و القائد الكبير٬ و بهدف تكريم حياته و نشاطه الثوري و أفكاره التي ساهمت في تطور النظرية الماركسية٬ و التي لازالت إلى يومنا هذا منهجا للعديد من الماركسيين و الثوريين عبر العالم٬ نقوم بنشر هذا المقال الذي يناقش واحدة من أهم النظريات التي أنتجها ليون تروتسكي: الثورة الدائمة
الثورة الدائمة٬ نظرية أثبتت صحتها التجربة
المطالب الديمقراطية لا يمكنها إطلاقا أن تكفي حزب البروليتاريا٬ و بينما يريد البرجوازيون الصغار الديمقراطيون إنهاء الثورةبأسرع وقت ممكن٬ فإن من مصلحتنا و من واجبنا أن نجعل الثورة دائمة
إلى أن تطرد من السلطة كل الطبقات المالكة... و تركيز قوى الإنتاج بين يدي البروليتاريا بالنسبة إلينا٬ لا يمكن للمسألة أن تكون في تغيير الملكية الخاصة٬ بل فقط في إبادتها٬ لا يمكن أن تكون في حجب الخصومات الطبقية٬ بل في إزالة الطبقات٬ لا في تحسين المجتمع القائم٬ بل
في تأسيس مجتمع جديد.» ماركس و إنجلز( عريضة المجلس المركزي إلى عصبة الشيوعيين)مارس 1850
خلال موجة الثورات التي إجتاحت أوروبا سنة ٬1848 وجها ماركس و إنجلز نداء إلى الطبقة العاملة لقطع علاقاتها مع قطاعات البرجوازبة الديمقراطية، التي أرادت تحديد الثورة في تغييرات بسيطة في جهاز الدولة٬ و الدفاع عن الثورة حتى القضاء على النظام الرأسمالي نهائيا. هكذا أشارا كيف تمكنت الطبقة العاملة الفتية في خضم التطور الثوري من تجاوزالمطالب الديمقراطية التي ناضلت من أجلها البرجوازية خلال مرحلة تاريخية معينة لإسقاط النظام الأرستقراطي الفيودالي٬ و الدفاع عن مصالح الطبقة البروليتارية التي تعارضت بشدة مع الملكية الخاصة و الدولة البرجوازية.ء
بعد 50 سنة تقريبا٬ طبق ليون تروتسكي منهج ماركس و إنجلز٬ و حلل طبيعة الطبقة الثورية التي بدأت تلوح في روسيا القيصرية، و أشار أن مشاركة البروليتاريا في الثورة يدفع بهذه الأخيرة إلى أبعد من المطالب الديمقراطية البرجوازية التي إعتبرتها أرثوذوكسية الأممية الثانية أمر حتمي لا فرار منه خلال التطورالثوري في الدول المتخلفة أظهرت أحداث 1905 صحة مواقف تروتسكي٬ و كانت القاعدة التي بنى عليها تروتسكي واحدة من أهم الإضافات للماركسية׃ نظرية الثورة الدائمة٬ التي تقدم رؤية واضحة لطابع و دينامية الثورة في البلدان الرأسمالية المتخلفة ٬ و العلاقة بين البروليتاريا و الطبقات الأخرى التي تدعي الثورية٬ و ضرورة تصدير الثورة الإشتراكية من أجل ضمان إنتصارها
التطور اللامتكافئ و المركب
قدم علم الإجتماع البرجوازي تطور الرأسمالية مثل سيرورة تطور طبيعي، يمر عبر مراحل٬ على كل المجتمعات أن تقطعها، بالنسبة لهذه المدرسة، الدول المتخلفة ( الدول المستعمرة و دول مثل روسيا، التي وصلت متأخرة للتطور الرأسمالي و لا زلت تحتفظ ببنيات سوسيو إقتصادية مرتبطة بالفيودالية) توجد في مرحلة سبق للدول المتقدمة أن تجاوزتها. هكذا مع مرور الوقت يمكن لبلد مثل روسيا أن يصل إلى مستوى التطور الذي عرفته إنجلترا الرأسمالية المعاصرة
فند تروتسكي هذه النظرية، موضحا أن الدول المتأخرة ليست في وضعية مشابهة لتلك التي عرفتها الدول المتقدمة منذ عقود. هذه الدول لا زالت تحتفظ ببقايا علاقات إجتماعية ما قبل الرأسمالية، كذلك تعرف جوانب رأسمالية أكثر حداثة بسبب سياسة تصدير رأس المال التي إنتهجتها الإمبريالية. التطور الرأسمالي في روسيا إتخذ مجرى مغايرا لا يمت بأي صلة لتطور اللإنتاج الرأسمالي الذي عرفته الدول الأوربية الأخرى منذ قرن مضى. إدخال روسيا للتقنيات و أساليب الإنتاج الرأسمالي المتطورة -على غرار ما جرى سابقا في الدول الإستعمارية- أحدث تغيرا هاما في بنيتها الإجتماعية.من جماهير الفلاحين الفقراء إنبثقت طبقة جديدة من البروليتاريا٬ في غضون بضع سنوات و بفضل تربيتها في بيئة و إنظباط الشركات الرأسمالية المعاصرة إكتسبت قوة و وعيا طبقيا مماثلا لوعي الطبقة العاملة في البلدان الأكثر تقدما. هذه الطبقة العاملة الحديثة جدا و العلاقات الإجتماعية التي أنتجتها إمتزجت مع بقاء أشكال بدائية من التنظيم الإجتماعي في روسيا ( أشكال مشابهة لعصر الإقطاعية )و هي نفس الأشكال التي إرتكزت عليها الدولة القيصرية٬ و التي تحتها عاشت الغالبية العظمى من الشعب : الفلاحين
هذا الخلط بين أنظمة إجتماعية تنتمي لعصور مختلفة كان له دور كبير في ظهور طبقة مسيطرة جديدة. البرجوازية الروسية٬ التي أنشأت على خلفية الإستثمارات الإقتصادية للدول لإستعمارية٬ لم تكن قادرة على ربح معركة إستقلالها كطبقة أمام الملاكين العقاريين الكبار و أمام الدولة القيصرية. على العكس من ذلك٬ خوفها من طبقة عاملة حديثة٬ و من أولى الإضرابات٬ و من نضالات العمال٬ جعلها ترتمي في أحضان الأتوقراطية٬ رابطة بذلك مصيرها بالنظام القيصري و النظام الإجتماعي ما قبل الرأسمالي الذي كانت تؤيده. ء
ثورة 1905
وضعت الشروط الإجتماعية التي عرفتها روسيا سنة ٬1905 مهام الثورة البرجوازية على جدول الأعمال ( تصفية الفيودالية٬ الإصلاح الزراعي٬ هزم القيصرية٬ و إعلان جمهورية برلمانية٬ تحرير الأمم المضطهدة من ظلم القيصرية٬ تحرير روسيا من تبعيتها للإمبريالية٬ ...إلخ ). إلا أن البرجوازية الروسية كانت في موقع لا يسمح لها الدفاع عن هذه المهام المنوطة إليها. الطبقة الوحيدة التي أظهرت عزمها على المضي قدما بالثورة٬ و إحتلت مكانا ضمن المنظومة الإجتماعية التي تسمح لها القيام بذلك٬ كانت هي الطبقة العاملة. ء
شرح تروتسكي في مقدمة «نتائج و توقعات» سنة 1919 :« إن الثورة٬ التي ستولد كثورة برجوازية فيما يخص مهامها الأولى٬ سوف تولد صراعات طبقية عنيفة٬ و هي لن تحرز النصر الأخير إلا بعد أن ينتقل الحكم فيها إلى الطبقة الوحيدة القادرة على قيادة الجماهير المضطهدة٬ و هذه الطبقة هي البروليتاريا و لمجرد أن تصبح البروليتاريا في الحكم، فإنها لن ترضى بأن تحصر نفسها ضمن البرنامج الديمقراطي فحسب، و لكنها ستجد نفسها مجبرة على تخطيه أيضا، و سوف تتمكن من تحقيق الثورة حتى النهابة فقط في حال تحول الثورة الروسية إلى ثورة تشمل كل البروليتاريا الأوربية إذ ذاك يصبح بمقدور الطبقة العاملة الروسية أن تتخطى البرنامج الديمقراطي البرجوازي للثورة بحدوده الوطنية الضيقة، فتتحول السيطرة السياسية الآنية التي تمارسها إلى ديكتاتورية إشتراكية دائمة ». ء
تطور ثورة 1905 أكد صحة تحاليل تروتسكي. على خلاف الثورات التي إندلعت في القرنين 17و18 في إنجلترا هولندا و فرنسا. لم تلعب البرجوازية الروسية دورا قياديا. ء على العكس، التغيير الجذري الذي كان ساريا في المجتمع الروسي ظهر في شخص الطبقة العاملة المنظمة في سوفيتات( مجالس مندوبي العمال) التي أنشأتها الحركة منذ اللحظة الأولى. ء
و هكذا٬ بينما تحدت البرجوازية في مرحلتها الثورية الحكم المطلق و دعت الشعب إلى حمل السلاح و تشكيل مليشيات وطنية. ركضت البرجوازية الروسية للإختباء وراء القوزاق* و سلطة القيصر. ء
الدور القيادي٬ الذي لم تكن البرجوازية قادرة على القيام به٬ نزل بكل ثقله بين يدي الطبقة العاملة التي تحولت إلى قوة قيادية لجماهير الفلاحين المضطهدين الذين شكلوا الغالبية العظمى من المجتمع الروسي تزعم الطبقة العاملة للثورة لم يجعلها تكتفي بتحقيق المهام التي كانت البرجوازية عاجزة عن تحقيقها بسبب ضعف ثقلها الإجتماعي: «إن سيطرة البروليتاريا السياسية تسير في خط عكسي مع عبوديتها الإقتصادية٬ و مهما تكن الشعارات التي جاءت بإسمها البروليتاريا إلى الحكم فإنها مجبرة على السير في طريق السياسة الإشتراكية » (نتائج و توقعات) تروتسكي
حيث كان غير وارد تماما أن تنتج الثورة الروسية دينامية الثورات البرجوازية، لم يكن للثورة أن تنتصر إلا تحت قيادة البروليتاريا التي كان لزاما عليها أن تترك بصماتها و تلقي بظلالها على الأحداث: « إن مجرد إشتراك ممثلي البروليتاريا في الحكم، ليس كأسراء حرب لا حول لهم و لا قوة، و لكن كقوة قيادية، يهدم الحد الأنى و برنامج الحد الأقصى، أي أنه يضع قضية التجمع حيز التنفيذ.» ( نتائج و توقعات ). باختصار أعلن تروتسكي أن وقت الثورات البرجوازية قد إنتهى في العالم ككل. فالتوسع العالمي لنظام الإنتاج الرأسمالي قد ألغى نهائيا إمكانية حدوث ثورات برجوازية جديدة و بالتالي فإن : « نظرية الثورة الدائمة التي ولدت عام ٬1905 ٬ بينت أن المهام الديمقراطية في الأمم البرجوازية المتأخرة في عصرنا هذا٬ تقضي قيام ديكتاتورية البروليتاريا رأسا.» (الثورة الدائمة ) ليون تروتسكي. ء
ثورة 1917
طرحت ثورة فبراير 1917 مسألة طبيعة الثورة على طاولة النقاش. فبينما ظلت التيارات الإصلاحية ( المناشفة و الإشتراكيين الثوريين ) ملحة على ضرورة تحديد الطبقة العاملة لمطالبها٬ و التخلي عن السلطة لصالح البرجوازية. جاءت الأحداث لتأكد من جديد صحة توقعات تروتسكي
بعد مرور الأسابيع الأولى على بداية الثورة٬ بينت وضعية ازدواجية الحكم بين حكومة مؤقتة - خاضعة للبرجوازية - و السوفييتات التي أقامتها الطبقة العاملة على صعيد روسيا كلها، أن الثورة البرجوازية قد استنفذت كل قواها و لم تعد قادرة على الذهاب إلى أبعد من ذلك
المطلب الأساسي لجماهير الفلاحين،الإصلاح الزراعي، الذي كان ضروريا للتطور الرأسمالي في روسيا٬ اصطدم أمام خوف البرجوازية و أعوانها الإصلاحيين في مواجهة القيصر و الأرستقراطية الإقطاعية. كل ذلك أظهر أن الفلاح لا يمكنه الاعتماد إلا على الطبقة العاملة من أجل تحقيق إستقلاله
أطروحات أبريل، التي كتبها لينين خلال هذه الفترة لتوضيح موقف و إستراتيجية الحزب البلشفي٬ إعترفت بهذه المسألة و أكدت وجهة نظر الثورة الدائمة: « إن الشيء الأصيل في الوضع الراهن في روسيا، إنما هو الانتقال من المرحلة الأولى للثورة، التي أعطت الحكم للبرجوازية نتيجة لعدم كفاية الوعي والتنظيم لدى البروليتاري، إلى المرحلة الثانية للثورة، التي يجب أن تعطي الحكم للبروليتاري، وللفئات الفقيرة من الفلاحين »ء
كذلك المنظور الأممي الذي أوضحته نظرية الثورة الدائمة، تبناه البلاشفة واعين أنه بدون انتصار الثورة في إحدى البلدان الراسمالية المتقدمة ستظل الثورة الروسية معرضة للفشل. نتيجة لذلك اقترح البلاشفة كمسألة حيوية ضرورة بناء الحزب العالمي البروليتاري׃ الأممية الشيوعية
الأحداث اللاحقة و الثورة الدائمة اليوم
الأحداث اللاحقة في روسيا معروفة جدا. هزيمة الثورة في أوربا٬و بشكل خاص في ألمانيا ترك الثورة الروسية معزولة. الأمر الذي سهل إنتصار البيروقراطية الستالينية التي احتكرت السلطة السياسية في الدولة السوفيتية و شغلتها لحساب مصالحها الخا صة٬ و دمرت كل القيادات البلشفية التي كانت تتبنى المبادئ الثورية
تحت قيادة ستالين تخلت الأممية الشيوعية عن سياستها الثورية و تحولت الى ملحق للسياسة الخارجية للإتحاد السوفيتي. من أجل إرضا ء القطاعات البرجوازية التي رأت فيها البيروقراطية حليفا محتملا تخلت هذه الأخيرة عن منظور الثورة الدائمة ووسعت الفجوة بينها و بين مبادئ الثورة
من جهة أخرى٬ أحيا ستالين طرح المناشفة ״ الثورة على مراحل ״. وعلى هذا الأساس٬ ينبغي على الشيوعيين في البلدان المستعمرة أن يتحالفوا مع البرجوازيات الوطنية التي يجب أن تتزعم الثورة خلال مرحلتها الأولى. الحزب الشيوعي الصيني اتبع هذا الطرح وتحالف مع حزب « الكوميتنغ » البرجوازي٬ وكانت النتيجة هزيمة الثورة سنة 1927 و تدمير التنظيمات الشيوعية في كل من شنغاي و كانتون
بالإضافة إلى ذلك٬ السياسة الأممية للبلاشفة التي تعكس ضرورة توسيع الثورة عالميا تم خيانتها٬ و حلت محلها نظرية « الإشتراكية في بلد واحد » التي مثلت الإيديولوجية التي تتماشى مع المصالح الضيقة للبيروقراطية السوفيتية
لكن القوة النظرية لنظرية الثورة الدائمة قاومت كل هذه الهجمات. كل الثورات التي هزت الدول الراسمالية المتخلفة خلال القرن العشرين بينت أن زمن الثورات البرجوازية قد ولى. و أنه حتى في البلدان التي ما زالت تحتفظ ببقايا قوية من النظام الإقطاعي القديم و تتطور فيها الطبقة العاملة٬ تظل الثورة أمرا لا مفر منه. على الرغم من المحاولة في البداية لإبقائها في ظل الرأسمالية٬ تتجه في نهاية المطاف نحو الإشتراكية. كل الفصل السادس من نتائج و توقعات، كتب عام 1906، توقع ببراعة الدينامية التي طورتها الثورة الكوبية بعد 54 سنة. ء
القوزاق هم جماعة من سكان السلاف المسيحيين الذين فروا من ضياع النبلاء البولنديين في أوكرانيا *
و استوطنوا أراضي الأستبس على ضفاف نهر الدنيبر و أنحاء أخرى في شبه جزيرة القرم حيث عرف عنهم الفروسية و المهارة القتالية. عرف القوزاق بولائهم التام للحكومة القيصرية نتيجة للإمتيازات التي أعطيت لهم و شكلوا إحدى القوى الرئيسية التي قاومت البلاشفة بعد ثورة فبراير 1917